ابن الطفيلة محمدعودة القرعان أمين الأمه هزاع البراري - هكذا لقبه جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال « أمين الأمة في العصر الحديث «، فقد وجد فيه مثال النزاهة والزهد ونظافة اليد والسريرة، وامتدح خلقه ونهجه كثيراً، لعله يكون قدوة لكل من يتسلم أمانة المسؤولية من رجالات الوطن. كان محمد القرعان ( أبو عودة ) وطنياً عاشقاً لوطنه وقيادته، وقومياً مؤمناً بالوحدة العربية، منحازاً للبسطاء والمهمشين، محباً للأرض والزراعة، وقريباً من المزارعين، ساعياً إلى مساعدتهم وحل مشاكلهم، وكان في الحق لا يخشى لومة لائم، يجاهر برأيه ولا يجامل في العمل أو في المصلحة العامة، لذا كان ذكره طيباً بين الناس، ومقدراً كثيراً بين كبار رجال الدولة الأردنية، من أمثال وصفي التل وسليمان النابلسي وغيرهم، وقد حظي بمحبة وتقدير جلالة المغفور له الملك الحسين رحمه الله، فقد كرمه في غير مناسبة.في الزمن الصعب، وفي أوقات الضيق، تستحضر الذاكرة الوطنية رجالاً عز نظيرهم، وتقدم نماذج تنتصب في السجلات كمنارات يستضاء بها في الليالي الظلماء. فقد كانت الطفيلة المدينة الجنوبية، الناهضة فوق قم بلاد الجبال، والمستندة على تاريخ عميق، وحضارة ما زالت أوابدها الباقية تخبر عن مجدها الغابر، كانت حاضرة على الدوام في تاريخ الدولة الأردنية الحديث، منذ أواخر العهد العثماني ومعارك الثورة العربية الكبرى، وتأسيس الإمارة، مقدمة الرجال جيلاً وراء جيل، بناة وطن وحماة ديار أغيار، ومخلصين للأمة والوطن والقيادة، ويعد محمد عودة القرعان حالة فريدة، معبرة عن الإنسان الأردني الأصيل، الذي يقبل بالكفاف، ويزهد بالمناصب، مقدماً مصلحة الوطن على كل مصلحة، وساعياً لتحقيق العدل بعمق صوره، غير قابل لتمييز نفسه، بل كثيراً ما تخلى عن ميزات وظيفته، وتبرع بمكافآته للمحتاجين من المراسلين والموظفين، هو الذي يعيش بالكفاف ويرضى بالقليل.لقد قام ابن الطفيلة البار الباحث والروائي سليمان القوابعة، المسكون بهذه الشخصية الفذة، بالعمل على تجميع ما تيسر من سيرته الحياتية، ودون بعض مآثره، وزودنا بها لتضيء مسارات الكتابة عن رجل قارب في سيرته ومنهجه من الأسطورة، ويؤكد القوابعة أن محمد القرعان – أبو عودة – نسبة لوالده عودة القرعان، قد ولد في الطفيلة عام 1916، في العام الذي أطلق فيه الشريف الحسين بن علي الرصاصة الأولى للثورة العربية الكبرى، وقد نشأ القرعان في بيت والده المعلم الفاضل عودة القرعان، حيث كان والده من المعلمين الرواد، فقد كان معلماً منفرداً في بلدة « صنفحة « لعدة سنوات، حيث نال قسطاً من التعليم الذي أهله للعمل في هذه المهنة النبيلة في أواخر العهد العثماني، وقد غضب منه الأتراك الاتحاديون، وقرروا نقله نقلاً داخلياً إلى اليمن عام 1913- 1914، حيث تعد البلاد العربية تحت الحكم العثماني وحدة واحدة، غير أن اضطراب الأحوال العسكرية نتيجة اندلاع الحرب العالمية الأولى حال دون تنفيذ قرار النقل.تربى القرعان في بيت والده على حب العلم والمعرفة، ونشأ منتمياً للأرض والأمة، متشبعاً بالبساطة ومكارم الأخلاق، وقد التحق « أبو عودة « بمدرسة الطفيلة الابتدائية، حيث درس فيها حتى الصف السادس الابتدائي، وهو الحد الأعلى لصفوف المدرسة، مما اضطره لترك الطفيلة بعد ذلك والذهاب إلى مدينة السلط، ليدرس في مدرستها الثانوية، وقد تعرف محمد القرعان على حياة مختلفة في السلط، تعود خلالها الاعتماد على النفس، وتعرف على عدد من الشباب الأردني من طلبة المدرسة، الذين أصبحوا من رجالات الوطن الكبار فيما بعد، وكان القرعان أحدهم، وبعد أن أنهى دراسته الثانوية بتفوق عام 1934، لم يكن ذلك نهاية الحلم بالنسبة له، فقد قرر بدعم من الده مواصلة دراسته الجامعية.لم يكن في الأردن جامعات أو معاهد علمية في تلك الفترة، لذا انتقل القرعان إلى دمشق، حيث التحق بالجامعة السورية التي أصبح اسمها فيما بعد جامعة دمشق، وقد درس القانون في كلية الحقوق، وتخرج حاصلاً على لسانس الحقوق عام 1937، وكانت جامعة دمشق تضم خيرة الشباب العربي، وتعد إحدى أهم بؤر الفكر القومي العربي، وقد نهل القرعان من هذا الفكر، الذي أنسجم مع تربيته وتوجهاته، وبعد تخرجه عاد إلى وطنه الأردن، من أجل أن يسهم في بنائه وتقدمه، وقد أقام في عمان، وبدأ حياته العملية بالعمل في مجال المحاماة، وكان ذلك خلال عامي 1937 و1938، لكنه لم يستمر في هذه المهنة، حيث قرر تقديم خدماته لمؤسسات الدولة الناشئة، فأصبح موظفاً في وزارة المالية، وبقي فيها حتى عام 1940، حيث نقل من وزارة المالية إلى سلك القضاء، وقد عمل في سلك القضاء حتى عام 1946.عاد محمد القرعان للعمل في مجال المحاماة من جديد، لكن عودته هذه لم تدم أكثر من عام، حيث عين بعد ذلك في دائرة ضريبة الدخل، وأصبح رئيساً لقسم الضرائب حتى عام 1950، وأخذ يتدرج في المهام والمناصب الإدارية، حتى وصل إلى منصب وكيل الجمارك في وزارة المالية، أي مدير عام الجمارك، وقد استمر ينهض بأعباء هذا المنصب منذ عام 1951 وحتى عام 1962، وقد تميز في خلال عمله الوظيفي بالنزاهة والتواضع، والدفاع عن الحق مهما غلا ثمنه، مما أكسبه محبة وثقة الجميع، وقد ذكر وزير المالية آنذاك أحمد الطراونة، أنه طلب من القرعان مدير الجمارك حل قضية تخص عاكف الفايز، فلما علم الفايز أن القرعان حل القضية من جيبه الخاص، أعاد له ما دفعه وقد أعجب بأمانته وخجله، والقصص التي تبين حرصه وإخلاصه وعمله الصادق بصمت كثيرة ولافتة.بعد عمله في دائرة الجمارك، عين محمد عودة القرعان مديراً عاماً لمؤسسة الإقراض الزراعي، وهذا المنصب قربه من المزارعين، وهو الذي أحب الأرض والزراعة، وقدر دور ومكانة المزارعين، فتبنى قضاياهم وسعى إلى حل مشاكلهم وتوفير الدعم لهم، وخلال ترؤسه مؤسسة الإقراض الزراعي، وصلت ديون أحد كبار المسؤولين إلى نصف مليون دينار في سبعينيات القرن الماضي، وكان هذا المسؤول يرفض تسديد ديونه، فما كان من « أبو عودة « إلا أن قابل جلالة المغفور له الملك حسين وقدم له استقالته، لأن المؤسسة ستصبح عاجزة عن القيام بدورها إن لم يسدد هذا المسؤول ديونه، فرفض

Source - المصدر : مشاركه من أصدقاء الصفحه
Pinterest Twitter Google

>