نواف الحمود الخصاونة.. من أبطال الجيش العربي الأردني هزاع البراري - يعد الجيش العربي الأردني سجلاً ناصعاً للبطولة والفداء والتضحية، مقدماً منذ أيام تأسيسه الأولى أبطالاً شجعاً وشهداء أبراراً، مما جعله مدرسة في التخطيط العسكري والقتال المحترف، ففرض احترامه في الحروب والمعارك، على قلة تسليحه وعدد أفراده وضباطه، وهو المرتكز على إرث الثورة العربية الكبرى ومبادئها السامية، وقد حقق الجيش العربي الأردني إنجازات عسكرية وانتصارات حاسمة تستحق الفخر والاعتزاز، وقد أقر بذلك العدو قبل الصديق، فكان بحق درع الوطن وحصنه الحصين، ومازالت هذه المؤسسة الوطنية تنهض بدورها العسكري والتنموي بكل حرفية وانتماء، وهي محط أنظار الأردنيين ومعقد الأمل. كان القائد نواف باشا جبر الحمود الخصاونة أحد أبرز أبطال الجيش الأردني، بل كان علامة فارقة في تاريخ القوات المسلحة الأردنية، فهو من جيل الرواد المؤسسين، ويعد أيضاً من أوائل من التحق بالجيش، وسرعان ما وضعه تفوقه، وما تمتع به من صفات الشجاعة والإقدام وحسن التصرف في المقدمة، وبقي حتى وفاته قابضاً على العروة الوثقى من الولاء والإخلاص، ليكون كخالد بن الوليد، حقق انتصارات عديدة، وعانى من إصابات متلاحقة في جسمه من شدة المعارك التي خاضها، لكنه توفي على فراشه وهو من تمنى الشهادة وناضل من أجل الوطن وقضية العرب الأولى فلسطين، ومدينة القدس جوهر القضية الفلسطينية، مسجلاً تاريخاً حافلاً بالبطولة والتضحية بحروف من نور.ولد في بلدة إيدون على مقربة من مدينة إربد، وكان ولادته عام 1922، أي بعد عام واحد من تأسيس إمارة شرق الأردن، وهو ينتسب لعشيرة الخصاونة إحدى كبرى العشائر في إيدون ومحيطها، حيث قدمت عدداً من رجالات الوطن من أصحاب النفوذ والمكانة عبر تاريخها الطويل، وقد نشأ نواف الحمود في بيت عرف بالزعامة والنفوذ العشائري، فجده محمد الحمود شيخ مشايخ ناحية بني عبيد، وكان صاحب سلطة عشائرية.وحظي بمحبة وتقدير في منطقته وسائر أرجاء الأردن، وقد لعب دوراً بارزاً خلال فترة أفول الدولة العثمانية، التي خلفت ضعف البلاد وتخلفها، وقد عانى الناس فيها الفقر وضيق الحال، وندرة المدارس ومؤسسات الرعاية والتنمية، وكان الشيخ محمد الحمود قومياً ساند الحكومة العربية في دمشق، وبعد سقوطها وخروج الملك فيصل منها مضطراً، كان الشيخ الحمود أحد أعضاء حكومة إربد المحلية، التي أسسها علي خلقي الشرايري، لملء الفراغ الإداري الذي عانت منه البلاد بعد سقوط الحكومة العربية في دمشق، وهي الحكومات المحلية التي مهدت الطريق لقدوم الأمير عبد الله بن الحسين وإعلان تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921. تأثر بالمشاعر الوطنية والقومية التي سادت في تلك الفترة، حيث كان بيت جده ووالده مركزاً لكثير من الحراك السياسي والاجتماعي، وقد التحق بالمدرسة الابتدائية، وربما يكون قد تلقى تعليماً أولياً في الكتّاب، وهو نمط تعليمي أولي ساد في تلك الفترة، وقام عليه رجال الدين في محاولة لتعويض غياب المدارس الحكومية والخاصة في كثير من مناطق البلاد، ويدل تعلقه بالعلم ومسيرته التي تميزت بالذكاء والنجاح، أنه كان طالباً مجتهداً ومميزاً وأن لم تتح له الفرصة للذهاب بعيداً في تلقي العلم، فلم تكن المدارس الثانوية متوفرة إلا في السلط في تلك الفترة، مما أجهض حلمه في إكمال دراسته مبكراً، لكنه عوض ذلك بالدراسة على نفسه ومن خلال جامعة الحياة.كان الجيش العربي الأردني الفتي يسعى إلى استقطاب الشباب الأردني، فهو السياج والدرع الحامي للوطن، فالتحق نواف الحمود بالقوات المسلحة الأردنية عام 1940، وكان يعد من أوائل المنتسبين للجيش رغم أنه أنشئ بُعيد تأسيس الإمارة، لكنه كان يضم أعداداً قليلة، فكان رقمه العسكري ( 270 ) وعرف منذ خطواته الأولى في الجيش بانضباطيته العالية، وحرفيته التي لفتت انتباه مدربيه وقادته، ونظراً لكونه قد حصّل تعليماً جيداً في تلك الفترة، فقد ساعده ذلك في التميز والتقدم السريع في الرتب العسكرية، فقد كان مميزاً في دوراته التدريبية، مبادراً شجاعاً لا يخشى إلا على الوطن والأمة، لذا كان مهيأ للمهام الكبرى، التي بدأت تلوح في الأفق بعد تسارع الأحداث في فلسطين، واستشراء العصابات الإسرائيلية في التنكيل بالناس ومهاجمة المدن الآمنة وتروع سكانها.بعد خروج القوات البريطانية من فلسطين، كان نواف الحمود على رأس أول قوة عسكرية عربية تدخل أرض فلسطين وتقوم بأول اشتباك مع القوات الإسرائيلية، وكانت أول معركة خاضها مع قواته ضد اليهود، هي معركة كفار عصيون الشهيرة، والتي خاضتها القوة الأردنية بشراسة وشجاعة، حتى وصل الأمر إلى القتال بالسلاح الأبيض، بعد أن نفدت ذخيرتهم، محققين نصراً مؤزراً نتج عنه زرع الرعب في قلب العدو، وقد فتح هذا النصر الطريق للقوات الأردنية للانتقال إلى القدس، للدفاع عنها ضد القوات اليهودية الطامعة في احتلالها، والتي حشدت لاحتلالها أفضل قواتها وأكبرها عدداً وأحدثها عدة، وقد أبلى الجيش الأردني بلاءً حسناً في هذه المعارك، وألحق بقوات العدو هزائم متلاحقة وخسائر فادحة دفعته للتراجع وإخلاء المدينة.عندما عانى الجيش المصري من حصار القوات الإسرائيلية له في الخليل، وأرسل مستنجداً بالجيش الأردني، قاد نواف الحمود الخصاونة سريتي مشاة وسرية مدرعات، وتوجه إلى الخليل، وبعد معركة حامية تمكن من فك الحصار عن الجيش المصري، مما رفع المعنويات وشحذ النفوس بالهمة والحماس، وقد أصيب القائد نواف الحمود بعدة إصابات، وتلقى جسده إصابات عديدة في كل معركة خاضها. وقد عاد مع جنوده إلى القدس، التي تشهد أقوى المعارك وأشرسها، وكان من أبرز أبطال معركة باب الواد الشهيرة، وهي المعركة التي حدثت بعد معركة اللطرون بأسبوع واحد، التي حقق فيها الجيش الأردني انتصاراً حاسماً، وتمكن الجيش الأردني من إلحاق هزيمة جديدة قاسمة نتج عنها تحرير مدينة القدس، وقد اعترف قادة إسرائيل بالحجم الكبير للخسائر البشرية والمادية في معركتي اللطرون وباب الواد.وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، وتمكن الجيش العربي من حماية الضفة الغربية والقدس الشرقية من أن تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي، وبقي الجيش الأردني على خطوط النار مع العدو يدافع عن الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية، التي أصبحت جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية. وفي عام 1951 عين نواف الحمود الخصاونة حاكماً عسكرياً وقائداً للحرس الوطني في الضفة الغربية، وهو ما جعله يتولى مسؤولية كبيرة في جزء كبير من الوطن، المتمثل بالضفة الغربية في ظروف بالغة الدقة والحساسية، وكان مثالاً للقائد العسكري والحاكم الإداري الفذ، وقد حظي بمحبة وشعبية كبيرتين في الضفة الغربية، فما زال الأهالي هناك يتذكرونه بالخير ويعددون بطولاته ويشدون بشجاعته.بقي في منصبه حاكماً عسكرياً وقائداً للحرس الوطني في الضفة الغربية، حتى أحيل على التقاعد عام 1959، تاركاً سجلاً عسكرياً حافلاً بالبطولات والانتصارات، وقد منح خلال مسيرته العسكرية المميزة عدداً من الأوسمة والميداليات منها وسام الشجاعة من الدرجة الأولى، ونال عدداً من الترقيات الميدانية، وكان دائماً حريصاً على الوطن وقيادته، جاعلاً من الولاء والإخلاص نهجه الذي رافقه حتى وفاته في الخامس عشر من شهر أيار عام 2012، وليوارى الثرى في بلدة إيدون في موكب مهيب شارك فيه عدد كبير من رجالات الدولة والشيوخ

Source - المصدر : مشاركه من أصدقاء الصفحه
Pinterest Twitter Google

>