يعد اللواء الركن فواز باشا ماهر برمامت من رجالات عشائر الشركس، الذين كان لهم دور كبير في الخدمة العامة والعمل الاجتماعي، كما كان مدرسة في الانضباط والتميز والولاء، وقد عرف بحرفيته العالية، وشجاعته في اللحظات الصعبة، فالمعارك والمواجهات الشرسة التي خاضها في حرب الـ 48 في فلسطين، مثال حقيقي على ما تحلى به من كفاءة عسكرية، وشجاعة وإقدام مكنته من تحقيق الإنجازات العسكرية الفريدة، رغم قلة عدد سريته وانتشارها على أرض واسعة، وضعف التسليح لديهم، كونهم عوضوا ذلك بالإيمان بالقضية العربية، وبشرف القتال والتضحية. لقد قدم الشركس منذ وصلوهم الأردن أواخر القرن التاسع عشر، وإندغامهم مع مفردات المجتمع المحلي، قدموا رجالا كباراً في مختلف المجالات، مساهمين في بناء الوطن والذود عنه، كما كان لهم دور مشهود في الفترة الأولى من مراحل تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، خاصة في قوات الأمن والجيش، فقد عرفوا بالفروسية وشدة البأس، ومازال الشركس يشكلون لبنة أساسية في بنية الدولة المدنية الأردنية، لذا كان اللواء الركن فواز باشا ماهر برمامت واحداً من هؤلاء الرجال الكبار، والذين تركوا بصمات ذهبية، أسهمت في حفظ الوطن وصون مقدراته والشراكة في بنائه. ولد اللواء فواز ماهر في عمان عام 1924، أي بعد إعلان تأسيس إمارة شرق الأردن بثلاث سنوات، وقد رافقت نشأته بداية ازدهار عمان عاصمة الإمارة، والتي تحولت خلال سنوات قليلة واحدة من أحدث المدن العربية وأسرعها نمواً، وعندما وصل إلى عمر ست سنوات التحق بمدارس عمان، حيث درس المراحل المدرسية، ولا شك أنه لم يتمكن في تلك الفترة المبكرة من عمر الدولة من إكمال دراسته، فلم تكن المعاهد والجامعات متوفرة، وكان الجيش العربي الأردني الناشئ، يسعى إلى استقطاب الشباب المتعلم، من أجل تطويره والارتقاء بأدائه لمواجهة التحديات المستقبلية، لذا بادر فواز ماهر بالالتحاق بالقوات المسلحة الأردنية بتاريخ 4/4/1941، وبعد أن أنهى فترة التدريب العسكري بفترة زمنية، التحق بدورة المرشحين العسكرية والتي تخرج ضباطاً برتبة ملازم. أنهى فواز ماهر دورة المرشحين العسكرية بتاريخ 10/2/1942، وبذلك أصبح أحد ضباط الجيش الأردني الشباب، وكان الجيش يتهيأ لخوض غمار معارك جيش الإنقاذ العربي في فلسطين، وذلك بعد انسحاب القوات البريطانية من فلسطين، تاركة العصابات الصهيونية المسلحة تبتلع الأرض وتهجر البشر، وقد كان للواء فواز ماهر دورً مشهود في القتال على أرض فلسطين عام 1948، ونال شرف الدفاع عن مقدساتها ومدنها، حيث دخل إلى فلسطين قائداً لسرية المشاة الثانية، التي تتبع اللواء الرابع، وكان من مهامها الدفاع عن منطقة القدس الواسعة، وقد قاد فواز ماهر سريته في قتال شرس في منطقة الشيخ جراح، وهي منطقة ممتدة يصعب الدفاع عنها، لكن بطولة قائد السرية الثانية مشاة فواز ماهر وأفراد السردية، مكنتهم من الدفاع عن هذه المنطقة وحمايتها من السقوط، وكان أبرز ما سجل لهذه السرية وقائدها، صدها لهجومين كبيرين للقوات الإسرائيلية، وكان لذلك أثر كبير في رفع معنويات الجيش الأردني. لقد كان لبطولات فواز ماهر برمامت صدىً كبير، وقد نال بفضل شجاعة وسام الإقدام العسكري، من قبل المغفور له الملك عبد الله الأول ابن الحسين، تقديراً للانتصارات التي حققها في منطقة الشيخ جراح، ونظراً لانضباطه العالي وحرفيته العسكرية فقد كان أول من حصل على علاوة القيافة في الجيش العربي الأردني، وهو سلوك تميز به طوال حياته. واصل فواز ماهر مسيرته العسكرية الناجحة، وكان يتقدم من رتبة عسكرية إلى أخرى، حتى نال رتبة لواء ركن عام 1959، وقد أهلتها هذه الرتبة العسكرية ليسند إليه منصب مساعد القائد العام للقوات المسلحة الأردنية للشؤون الإدارية، وقد كان له بصمته الخاصة في هذا المنصب الكبير. بعد ذلك أصبح مدير هيئة أركان الجيش العربي عام 1961، وخلال مشاركته في حرب عام 1948 خدم في معظم المدن والبلدات الفلسطينية، من القدس إلى عزة وحيفا وغيرها من المدن والقرى، وكان قد قاتل بكل شجاعة للدفاع عن هذه الأرض المباركة، لكن المؤامرة كانت كبيرة، والدعم الغربي لليهود كان بلا حدود. أحيل اللواء الركن فواز ماهر برمامت على التقاعد عام 1962، بعد مسيرة عسكرية كللها النجاح والإنجازات الكبيرة، ولكن رحلته العملية لم تتوقف عند هذا الحد، بل تحول للعمل المدني العام، داخلاً السلك الدبلوماسي من أوسع أبوابه، حيث عين سفيراً للملكة الأردنية لدى جمهورية الصين الوطنية عام 1962، وبعد ذلك بسنتين عين سفيراً للأردن لدى الجمهورية العراقية عام 1964، وبعد هذه الخبرة الدبلوماسية التي حققها، انتقل للعمل إلى جانب المغفور له الملك الحسين بن طلال، حيث عين كبير مرافقي الملك حسين رحمه الله عام 1965. عاد اللواء فواز ماهر إلى العمل الدبلوماسي من جديد، عندما عين سفيراً للأردن لدى تركيا عام 1965، ليعود بعدها إلى مركز وزارة الخارجية، ليسند إليه منصب مساعد وكيل – أمين عام – وزارة الخارجية الأردنية، وقد بقي يشغل هذا المنصب حتى أحيل على التقاعد المدني عام 1968، وبذلك يكون اللواء والدبلوماسي فواز ماهر، قد نهض بمهامه بنجاح وتميز كبيرين، في الجانب العسكري وفي العمل المدني، محققاً مكانة كبيرة، حظي من خلالها على احترام وتقدير كل من عرفه وعمل معه، وكان دائماً محل الثقة، فلم يسبق له أن تخلى عن تميزه وإخلاصه في كل مهمة أوكلت له وفي كل مرحلة من مراحل مسيرته العملية، لذا كان أنموذجاً يحتذى. لم يتوقف عطاء اللواء والسفير فواز ماهر عند الخدمة العسكرية المحترفة، أو العمل المدني الدبلوماسي، بل كان صاحب حضور اجتماعي كبير، وكان رائداً في العمل الاجتماعي الخيري، حيث كان له حضور مؤثر في الجمعية الخيرية الشركسية، فقد انتخب رئيساً للهيئة الإدارية للجمعية الخيرية الشركسية عام 1973، كما أعيد انتخابه في الدورة التالية عام 1976، ونظراً لنجاحه في قيادة الهيئة الإدارية للجمعية، وللمحبة الكبيرة التي حظي بها، أعيد انتخابه في للمرة الثالثة على التوالي على رأس الهيئة الإدارية الخيرية الشركسية عام 1979، وقد أعيد انتخابه من جديد في الدورة التاسعة والعشرين بتاريخ 2/6/1988، وكان قد انتخب عضواً في الهيئات الإدارية للجمعية الخيرية الشركسية لخمس دورات سابقة. كان اللواء الركن فواز ماهر برمامت أول رئيس تحرير لمجلة « الواحة « التي تصدر عن الجمعية الخيرية الشركسية منذ عام 1974، وهو أيضاً عضو مؤسس للجنة العشائرية الشركسية الشيشانية، وأحد مؤسسي مجلس أمناء جمعية أصدقاء شركس القفقاس، وكانت له أنشطة حزبية، حيث كان أحد أعضاء الحزب الوطني الأردني، وقد انتخب نائباً لرئيس الحزب، وخلال حياته نال عدداً من الأوسمة العسكرية والمدنية المحلية والأجنبية، تقديراً لمنجزاته وخدماته وشجاعته، وهو الذي بقي قابضاً على جمر الولاء والانتماء حتى وفاته عام 1997، لكنه بقي حاضراً بما ترك من ذكر طيب وعمل صالح يذكر به دائماً.

Source - المصدر : الرأي
Pinterest Twitter Google

>